عندما تنخرس الأحرف
لكرم الدين يحيى ارشيدات
أقف بيني وبين نفسي
وقلمي بيدي
أحاول صياغة كلمات من المفترض أن ترى النور
ولكن رغم الزخم العاطفي
وزخم المفردات
إلا أن العجزظاهر على قلمي
وعجز آخر في ترتيب حروفي
عجزي أنا
عجز في إخراج ما تكتنزه
نفسي
لا أدري إن كانت ذكريات
آن لها أن تظهر من جديد
او أشواق نفس كبتتها ليالي الوحدة والبعد القصري
لا أدري
شيئ يزعجني
إلى درجة أكون بها أحوج الناس للبكاء
وأحتاج ليد تمتد إلي وتربت على كتفي
ولكني
رغم كل هذا سأكتب
واخرج ما بجوفي
ساكتب عن حزني
بكلمات ممزوجة بدموع محترقة
ونفس تكاد تكون مختنقة
تستفزني اشواقي الى حد الجنون
وتستفزني ذكرياتي
وتستفزني مكنوناتي
مكنونات الانسان الذي بداخلي
وأصغر الأشياء تحركني
وقد تبكيني
أنا
وكل اصحاب الكلمة
كالأطفال الصغار تبكينا الصغيرة والكبيرة
وتسعدنا أيضا اصغر الاشياء
نبكي
ونبكي بحرقة اليائس
ونبكي من حولنا
نخرج حروفا نازفة مليئة بالألم الموجع
لان الوجع قد أصابنا من الداخل
ولان وجع النفس نصله حاد
وجرحه عميق
لا أدري
عن أي شيء أتحدث
وما هو الشيئ الذي سأتحدث عنه
سأتحدث عن نفسي
عن لوعة قلم بيدي
وعن حروف يتيمة شردها جور الزمان
وعن فراغ اسطر وقد اصابها القحط
أسطر متعطشة لخربشات قلم
تروي عطشها
ولكن
عندما تختنق الحروف وتوأد الكلمات
لن يبقى إلا نواح العناوين الفارغة من الحروف
لن يبقى الا صباح نفس اطلق اليها العنان
لتعلوا شهقات روح سكن الوجع اعماقها
هو امتزاج الروح بالحرف
هي صرخة استغاثة مدوية
هزت اركان الارض
في زمن جفت به الحناجر
وقطعت به الالسن
صفدت الحروف
وحبست المعاني
ووقفنا عاجزين عن اخراج الآه من حناجرنا
او حتى نتنفس بها من خلال حروفنا
اللغات اصبحت عقيمة
ولو وضعت في رحمها كل المعاني
لن تخرج من جوفها كلمة تساندنا
ممنوع ان نصرخ
وممنوع ومحرم علينا البكاء
لا نعترض
ولا نتكلم
تسلب منا الارادة امام اعيننا
وتسبى الحريات وتزرع في رحمها الخنوع والهوان
عندما ينخرس الحرف
ماذا تبقى لنا
ماذا تبقى من انسانيتنا لنفخر به
لا شيئ
فقط أحبال من الهواء نتعلق بها
ونعلق عليها اوهامنا
اذا كانت كلمة ممنوع هي السيناريو الذي نعيشه
مالذي ننتظره
ممنوع ان تتكلم
وممنوع ان تشتكي
وممنوع ان ترفض
وممنوع
وممنوع
مالذي سننتظره في ضل سياسة الممنوعات
مالذي ننتظره
عندما تختنق الضحكة في صدورنا
وتتكسر معها نفوسنا
عندما ينخرس الحرف
ماذا بقي من لغتنا
ماذا بقي من معانيها
العبارات ضحلة
ونبع الحروف جفت مياهه
ماذا بقي لدينا
كيف سنكتب قوافينا
وكيف سنكتب أشعارنا
كيف سنبكي بحروف خرساء
وكيف سنتغنى بحروف خرساء
ما هو شكل هويتنا
والى اي مدرسة ننتمي
أصبحنا طلاب مبتوري الايدي ومقطوعي الالسن
واحرف صماء كحالنا
بنظري
أحس وكأن الارض توقفت عن الدوران
والكون كله توقف
ونحن عبارة عن منحوتات متصلبة بمكانها
كل أشكال الحياة توقفت عندما تكسرت حناجرنا
وانخرس الحرف واصبحنا امة صماء
بحروفها ولغتها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق